ما الذي يجري عند التبادل بين الرأسمالي والأجير ؟

يتلقى العامل وسائل معيشة مقابل قوة عمله، ولكن الرأسمالي يحصل مقابل ما قدمه من وسائل المعيشة، على العمل، على نشاط العامل المنتج، على القوة الخلاّقة التي بواسطتها لا يرد العامل ما استهلكه وحسب، بل يعطي أيضا العمل المكدَّس قيمة أكبر من قيمته السابقة. إن العامل يتلقى من الرأسمالي قسما من وسائل المعيشة الموجودة. لأي غرض تفيده وسائل المعيشة هذه ؟ لاستهلاكه المباشر. ولكني ما إن استهلك وسائل المعيشة، حتى تضيع إلى الأبد بالنسبة إليّ، إلا إذا استخدمت الوقت الذي تؤمن فيه هذه الوسائل وجودي، لكي أنتج وسائل جديدة للمعيشة، لكي أخلق بعملي، خلال هذا الوقت، قيما جديدة عوضا عن القيم التي أزلتها باستهلاكها. ولكن أليست بالضبط هذه القوة الخلاقة النبيلة هي التي يتنازل عنها العامل للرأسمال مقابل وسائل المعيشة التي يتلقاها ! فهي، بالتالي، تصبح مفقودة بالنسبة له.

لنأخذ مثلا. مزارع يعطي عامله المياوم 50 بفينيغا في اليوم. ومقابل هذه البفينيغات الخمسين، يشتغل هذا العامل كل النهار في حقول المزارع ويؤمن له على هذا النحو دخلا قدره مائة بفينيغ. وهكذا لا يسترد المزارع فقط القيم التي يترتب عليه التنازل عنها للعامل المياوم، بل يضاعفها أيضا. فقد استخدم إذن، استهلك، بصورة مثمرة، منتجة، الفينيغات الخمسين التي أعطاها العامل المياوم؛ فقد اشترى بهذه البفينيغات الخمسين عمل وقوة العامل المياوم اللذين يستنبتان منتجات زراعية ذات قيمة مضاعفة، ويحولان البفينيغات الخمسين إلى مائة بفينيغ. أما العامل المياوم، فإنه يتلقى مقابل قوته المنتجة التي تنازل عن مفاعيلها للمزارع، 50 بفينيغا يبادلها بوسائل معيشة يستهلكها على أشكال مختلفة من السرعة أو البطء. و هكذا استُهلكت البفينيغات الخمسون بصورة مزدوجة: بصورة منتجة بالنسبة للرأسمال، إذ بودلت بقوة عمل درّت مائة بفينيغ، وبصورة غير منتجة بالنسبة للعامل، إذ بودلت بوسائل معيشة زالت إلى الأبد ولا يمكنه أن يعيد قيمتها من جديد إلا إذا كرر التبادل نفسه مع المزارع. فالرأسمال يفترض إذن العمل المأجور، والعمل المأجور، يفترض الرأسمال، فكل منهما شرط الآخر، كل منهما يخلق الآخر.

العامل في معمل للمنسوجات القطنية، أتراه لا ينتج إلا المنسوجات القطنية ؟ كل، إنه ينتج رأسمالا أيضا. إنه ينتج قيما تُستغل بدورها للسيطرة على عمله لكي يخلق بعمله هذا قيما جديدة.

إن الرأسمال لا يمكن له أن يتكاثر إلا إذا بودل بقوة العمل، إلا إذا خلق العمل المأجور. إن قوة عمل العامل المأجور لا يمكن مبادلتها بالرأسمال، إلا إذا كانت تزيد الرأسمال، وتعزز بالضبط تلك السيطرة التي تستعبدها. وهكذا فإن تكاثر الرأسمال هو بالتالي تكاثر البروليتاري، أي الطبقة العاملة.

ولذ، فإن مصلحة الرأسمالي والعامل واحدة – هكذا يزعم البرجوازيون واقتصاديوهم. فعلا ! إن العامل يهلك إذا لم يُشغّله الرأسمال. والرأسمال يزول إذا لم يستثمر قوة العمل، ولكي يستثمره، لا بد له أن يشتريها. وبقدر ما يسرع ويتكاثر الرأسمال المعد للإنتاج، الرأسمال المنتج، وبقدر ما تزدهر الصناعة بالتالي، وتغتني البرجوازية، وتتحسن الأحوال، بقدر ما يحتاج الرأسمالي إلى مزيد من العمال، ويبيع العامل نفسه بمزيد من الأجرة.

فالشرط الضروري الذي لا غنى عنه لكي يكون العامل في وضع مقبول، إنما هو إذن نمو الرأسمال المنتج نموا سريعا قدر الإمكان.

ولكن ما يعني نمو الرأسمال المنتج ؟ إنه يعني نمو سيطرة العمل المكدَّس على العمل الحي، إنه يعني نمو سيطرة البرجوازية على الطبقة العاملة. فحين ينتج العمل المأجور ثروة الآخرين التي تسيطر عليه، القوة التي تعاديه، الرأسمال، فإن وسائل تشغيله (Beschäftigungsmittel)، أي وسائل معيشته، تعود من الرأسمال إليه، شرط أن يصبح، من جديد، قسما من الرأسمال، المحرك الذي يقذف بالرأسمال من جديد إلى حركة نمو متسارع.

إن الإدعاء بأن مصالح الرأسمال ومصالح العمال واحدة لا يعني في الحقيقة إلا أن الرأسمال والعمل المأجور هما طرفا علاقة واحدة يشترط فيها أحدهما الآخر كما يشترط المرابي والمبدد أحدهما الآخر.

فما دام العامل المأجور عاملا مأجور، ظل مصيره رهنا بالرأسمال. تلك هي وحدة مصالح العامل والرأسمالي المزعومة.

فحين ينمو الرأسمال، يتضخم حجم العمل المأجور، ويزداد عدد العمال المأجورين، أي بكلمة، تمتد سيطرة الرأسمال وتشمل عددا أكبر من الأفراد. ولنفترض أحسن الأحوال: حين ينمو الرأسمال المنتج، يزداد الطلب على العمل، وبالتالي يتصاعد سعر العمل، الأجرة.

مهما يكن البيت، أي بيت، صغير، فهو يلبي كل ما يُتطلب اجتماعيا من البيت، ما دامت البيوت المجاورة صغيرة أيضا. ولكن ما إن يرتفع قصر منيف إلى جانب البيت الصغير، حتى ينحط البيت الصغير إلى مرتبة كوخ حقير. وإذ ذاك يغدو البيت الصغير الدليل على أن صاحبه لا يمكن له أن يكون متطلب، أو أنه لا يمكن أن يكون له غير متطلبات متواضعة جدا. ويمكن للبيت الصغير أن يكبر قدر ما يشاء في مجرى تطور الحضارة، ولكن، إذا كبر القصر المجاور بالسرعة نفسها أو بمقاييس أكبر، فإن ساكن البيت الصغير نسبيا سيشعر بتزايد عسره، بتعاظم استيائه، بالضيق بين جدران بيته الأربعة.

إن زيادة الأجرة زيادة محسوسة لحد ما تفترض نموا سريعا في الرأسمال المنتج. والنمو السريع في الرأسمال المنتج يفضي إلى نمو الثروة، والترف، والحاجات والمسرات الاجتماعية بالسرعة نفسها. وهكذ، إن تكن المسرات في متناول العامل قد ازدادت، إلا أن الارتياح الاجتماعي الذي تبعثه في نفسه قد خف، بالقياس إلى تزايد مسرات الرأسمالي التي ليست في متناول العامل، وبالقياس إلى مستوى تطور المجتمع بوجه عام. فإن حاجاتنا ومسراتنا إنما تنبع من المجتمع، ونحن لا نقيسها بالأغراض التي تلبيها بل نقيسها بمقاييس اجتماعية. حاجاتنا ومسراتنا تتسم بطابع اجتماعي ولذا فإنها نسبية.

والأجرة لا تحددها فقط على وجه العموم كمية البضائع التي أستطيع الحصول عليها بالمقابل. إنما تنطوي على شتى العلاقات.

أول، إن ما يتلقاه العامل مقابل قوة عمله، إنما هو مبلغ معين من النقد. تُرى، هل أن الأجرة لا يحددها إلا هذا السعر نقدا ؟

في القرن السادس عشر، ازداد المتداوَل من الذهب والفضة في أوروبا إثر اكتشاف مناجم في أمريكا أغنى وأسهل للاستثمار. ومن جراء ذلك، هبطت قيمة الذهب والفضة بالقياس إلى سائر البضائع. واستمر العمال يتقاضون القدر نفسه من الفضة النقدية مقابل قوة عملهم. لقد ظل سعر عملهم نقدا كما كان عليه، ولكن أجرتهم هبطت رغم ذلك إذ أمسوا يتلقون مقدارا أقل من البضائع الأخرى مقابل الكمية نفسها من الفضة. وكان هذا من العوامل التي يسرت تنامي الرأسمال ونهوض البرجوازية في القرن السادس عشر.

لنأخذ حالة أخرى. في شتاء 1847، ازدادت أسعار أهم وسائل المعيشة، الخبز واللحم والزبدة والجبنة وغيره، زيادة كبيرة، بسبب من سوء الموسم. لنفترض أن العمال ظلوا يتقاضون المبلغ نفسه من النقد مقابل قوة عملهم. ألم تنخفض أجرتهم في هذه الحال ؟ أجل. فمقابل المبلغ نفسه من النقد، أمسوا يتلقون قدرا أقل من الخبز واللحم، الخ.. وقد هبطت أجرتهم، لا لأن قيمة الفضة قد هبطت، بل لأن قيمة وسائل المعيشة قد ازدادت.

لنفترض أخيرا أن سعر العمل نقدا ظل على حاله دون تغير، بينما هبطت أسعار جميع المنتجات الزراعية والسلع الصناعية بسبب من استخدام آلات جديدة، وموسم وافر، الخ.. فمقابل المبلغ نفسه من النقد، أصبح بإمكان العمال أن يشتروا قدرا أكبر من شتى البضائع. وهكذا ازدادت أجرتهم، لأن قيمتها نقدا لم تتغير.

وعليه فإن سعر العمل نقد، أي الأجرة الاسمية، لا ينطبق على الأجرة الفعلية، أي على مقدار البضائع الذي يُعطَى فعلا مقابل الأجرة. فحين نتحدث عن ارتفاع الأجرة أو هبوطه، يجب علينا بالتالي ألا نأخذ بعين الاعتبار مجرد سعر العمل نقد، مجرد الأجرة الاسمية فقط.

ولكن لا الأجرة الاسمية، أي مبلغ النقد الذي يبيع العامل نفسه مقابله من الرأسمالي، ولا الأجرة الفعلية، أي مقدار البضائع الذي يستطيع شراءه بهذا المبلغ النقدي، يستنفذان العلاقات التي تنطوي عليها الأجرة.

فالأجرة إنما تحددها أيضا بالدرجة الأولى نسبتها مع كسب الرأسمالي، مع ربح الرأسمالي، وبهذا المعنى تسمّى الأجرة المقارنة، النسبية.

إن الأجرة الفعلية تعبر عن سعر العمل بالنسبة لسعر سائر البضائع، بينما الأجرة النسبية تعبّر عن حصة العمل المباشر في القيمة الجديدة التي خلقها بالنسبة للحصة التي تعود منها إلى العمل المكدَّس أي الرأسمال.